بعيداً عن الاستثمارات النفطية، تعزز دول الخليج جهودها في تصنيع الرقائق وأشباه الموصلات التي باتت من أساسيات الأعمال نظراً للواقع الجديد. وتستهدف هذه الدول في استراتيجياتها تطوير قدراتها التقنية لدفع المستقبل الرقمي.
مشاريع بملايين الدولارات تُنفَق لدعم استثمارات أشباه الموصلات والرقائق التي تعتبر مكوناً أساسياً للعديد من المنتجات عالية الدقة نذكر منها الهواتف الذكية والكمبيوترات والسيارات والطائرات. هذا الأمر أدى إلى تغيير سياسات الدول عالمياً لا سيّما النفطية منها حيث باتت الحلول الرقمية والتكنولوجيا تشكّل جزءاً مهماً من وجودها. بين الأداء والأحجام والتصميم المتميّز تنقسم الرقائق الالكترونية بين الـCPU المتواجدة على كافة أجهزة الكمبيوتر وGPU المختصصة للذكاء الاصطناعي وبإمكانها انجاز أوامر عدّة في آن معاً. أما سعر هذه الشريحة فيتراوح بين 35 و40 ألف دولار. أيقنت دول مجلس التعاون الخليجي أهمية أشباه الموصلات لتجنّب الركود الاقتصادي والأزمة التي ضربت الصناعات حول العالم إلى جانب تراجع العمليات الانتاجية نتيجة فيروس كورونا، فهل ستدخل في سباق تصنيعها لتعتمد عليها خلال الفترة المقبلة على الرغم من المخاوف التي تُثار بشأن سوء استخدام هذه التكنولوجيا في بعض الدول؟
الخليج يتقدّم في مجال الرقائق الالكترونية
وسط السباق العالمي على أشباه الموصلات تتسلّح دول الخليج بتقنيات الذكاء الاصطناعي والحلول السريعة لرفع جودة الحياة الرقمية، كما فعلت الامارات والمملكة العربية السعودية التي تركز جميع استراتيجياتها على هذه الروابط لتحقيق الريادة في هذا المجال بالاضافة إلى المشاريع المطروحة لبناء شركات ضخمة مختصة بالذكاء الاصطناعي واستقطاب شركات أجنبية من الخارج.
تتقدم الامارات في صناعة الرقائق الالكترونية وسط حماسة كبيرة للبروز في تقنية المعلومات مع ارتفاع الطلب على الأجهزة الالكترونية لضمان الارتباط بالعالم الخارجي. نتناول أيضاً الانجازات التي تحققها المملكة العربية السعودية لتعزيز خدمة الرقائق والذكاء الاصطناعي حيث أعلنت منذ أكثر من سنة عن مشروع توطين تكنولوجيا صناعة الرقائق الالكترونية مع توجه المملكة نحو تطوير هذا القطاع. يُعد هذا المشروع الأول من نوعه في المنطقة دعماً للبحث والتطوير وتعزيز فكرة تصنيع الرقائق الالكترونية كما وتأهيل الكوادر البشرية في توطين صناعة أشباه الموصلات داخلياً.
تواكب الدول النفطية تطورات السوق المحلي والعالمي وأهمية متابعة التكنولوجيا مع انتشار مفهوم الذكاء الاصطناعي والمشاريع الناشئة. كما تُستخدم الحلول الذكية في جميع الخدمات الحكومية والمصرفية والاتصالات والرعاية الصحية عبر مجموعة منوّعة من التطبيقات الذكية وربوتات الدردشة إلى جانب دمج انترنت الأشياء والبلوك تشين وتحليل البيانات. وعن الاستثمارات الضخمة في أشباه الموصلات، تم الاعلان عن استثمار مشترك بين تركيا وقطر لانتاج الرقائق الالكترونية بقيمة 60 مليون دولار.
وفقاً للدراسات الأخيرة، من المتوقع أن يضيف الذكاء الاصطناعي إلى اقتصاد الخليج ما يُقدّر بنحو 320 مليار دولار بحلول عام 2030. تواصل دول الخليج جهودها في هذا المجال على الرغم من أن المردود المالي ما زال محدوداً على المدى القصير ايماناً منهم بالانعكاسات الايجابية للصناعات التكنولوجية على المدى البعيد. هذا على عكس الدول الأوروبية التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي والرقائق الالكترونية مع ضمان أرباح طائلة.
عوامل عدّة ساهمت بدفع استخدام الشرائح الالكترونية والذكاء الاصطناعي أبرزها توقف الأعمال خلال فترة انتشار الوباء وهذا ما أدى إلى تعزيز البرامج والصناعات التي تعتمد على الأتمتة، بالاضافة إلى الأحداث العالمية التي أجبرت الدول العربية والخليج خصوصاً على ابتكار المزيد من الحلول لتعزيز نمو القطاعات والتركيز على تطوير البرامج التي تعتمد أولاً على الذكاء الاصطناعي.
وبعد الأبحاث والتجارب، تجاوز الذكاء الاصطناعي قدراته من التعلم الآلي إلى التعلم العميق الذي يحاكي دماغ الانسان فهو قادر على الاستنتاج والتحليل واتخاذ القرارات بشكل أسرع لمساعدة المبرمج وقد يتجاوز القدرات البشرية أيضاً وهذا ما يثير المخاوف بشأن البرامج الجديدة.
شروط البنية التحتية لتوسيع مشاريع الرقائق في الخليج
تتصل دول الخليج العربي بالعالم الخارجي عبر الكوابل البحرية مما يجعل البنية التحتية مؤهلة جيداً لتحمّل كل مشاريع صناعة الرقائق إن كان في الامارات اوفي المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت. كما تٌظهر هذه الدول استعدادها لاستخدام أحدث التقنيات وشبكات الاتصالات كالجيل الخامس حيث تعتبر اليوم كل من الامارات والسعودية في طليعة تبني هذه الشبكة. كما تتميّز المنطقة الخليجية بشبكات الألياف الضوئية التي تجعلها تتصدر في ريادة عالم الذكاء الاصطناعي على الأصعدة كافة.
بحسب الخبراء، تتمتع دول الخليج بجاهزية كاملة للتكنولوجيا المتطورة حيث يتم دمج الذكاء الاصطناعي في كافة العمليات التشغيلية والعمليات اليومية مما يساعد الدولة على أخذ القرارات لسنوات متقدمة وبالتالي يجعل أيضاً الاستراتيجيات المتخذة على مستوى عالٍ من الذكاء.
أشباه الموصلات... طاقة المستقبل
تعتبر الرقائق الالكترونية، صغيرة الحجم وبفوائد كثيرة، أساساً في تطوير تقنية الذكاء الاصطناعي وعالم الالكترونيات بالاجمال، هذا إلى جانب البرمجيات والقدرات البشرية التي تتطور مع التحول الرقمي. وتدرك الرؤية الخليجية أهمية التكنولوجيا في عصرنا هذا فإن المستقبل البعيد سيكون للحلول الذكية والذكاء الاصطناعي وهذا ما سيضع دول الخليج على خارطة التكنولوجيا العالمية بالتوازري مع الثورة الصناعية الرابعة مع الأخذ بالاعتبار الأرباح التي تضيفها على الناتج المحلي للدولة.
أما صناعة الرقائق الالكترونية فتحتاج إلى تقنيات متطورة ومكلفة لتحليل أدائها واختبار مدى جودتها وهذا ما يُعد أحد أسباب ندرة توفّرها حول العالم. كما أن ارتفاع الطلب عليها خصوصاً من قبل الدول المتطورة تكنولوجياً والتي تستخدم التكنولوجيا في العديد من الصناعات والتطبيقات الالكترونية يُفاقم تداعيات الأزمة. قد يتجاوز حجم سوق الرقائق الالكترونية تريليون دولاربحلول عام 2030 والرهان يبدأ من الآن.
في خضم السباق العالمي، حققت دول الخليج خطوات ملحوظة خلال السنوات الأخيرة في صناعة الرقائق الالكترونية. فعلى الرغم من التحديات تمكّنت من بناء أرضية جيّدة لتطوير الرقائق كمدينة نيوم في السعودية ومصدر وواحة السيليكون في الامارات لتدخل في سباق التسلح بالرقائق الالكترونية.
إنتاج الرقائق عالمياً... بين النمو والتهديدات المتوقعة
بعد أزمة نقص الرقائق عالمياً في عام 2022، من المتوقع تحسّن عمليات الانتاج في عام 2023 في الصين بينما ستحقق مواقع الصناعة الموجودة في أنحاء العالم نتائج متفاوتة أقل نمواً من الصين. مقابل ذلك، تبرز تايوان والولايات المتحدة على ساحة المنافسة مما يزيد المخاوف بشأن اقتصاد هذه الدول مما يشير إلى بوادر حرب باردة ترتكز على التسلّح الالكتروني.
ونظراً لما وصلت إليه التكنولوجيا والرقائق اليوم، يؤكد الخبراء والحكومات عدم الاعتماد على مصدر واحد لنمو الاقتصاد أو لازدهار الصناعة. وبفضل التأثير الايجابي الذي أتت به التقنيات الحديثة، تحتضن دول الخليج كل الابتكارات والمبادرات في خدمة التكنولوجيا.