Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

من إعداد الصوت إلى تأليف الصور والنصوص، يقلب الذكاء الاصطناعي كل المقاييس لتأخذ معه صناعات الترفيه والاعلانات والاعلام وجهها الجديد. أمام هذه التحولات، تكون المشكلة الأكبر بعدم قدرتنا على التمييز بين المحتوى المزيّف والمحتوى الحقيقي فيقع الملايين حول العالم ضحية المعلومات الخاطئة.

تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي بالارتكاز على كميات هائلة من البيانات والتي غالباً ما يتم الحصول عليها عبر الانترنت. وتعتمد الشركات على هذه التقنية لتنفيذ مهام عدّة: كتابة المحتوى وتأليفه بمرونة بما يستجيب إلى متطلبات المستخدم والسوق. وبينما يستفيد الجزء الأكبر من المصانع والشركات من أنظمة الذكاء الاصطناعي إلا أنها باتت تشكل اليوم تهديداً كبيراً على المجتمع ككل بنقله "واقعاً مزيّفاً" إلى العالم. خلال ثوان قليلة يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي إنشاء محتوى كامل قد يستغرق تأليفه ساعات من العمل والجهد على يد الانسان. فبمجرّد تدريب نماذج التعلم العميق، تصبح هذه الأخيرة قادرة على فهم الأنماط والترتيبات الأساسية للتفاعل الفوري.

سبق أن حذّر خبراء التكنولوجيا من توسّع الذكاء الاصطناعي وتأثير المعلومات المضللة على الرأي العام. إذ تتخطى التكنولوجيا المبنية على الذكاء الاصطناعي حدود الزمان والمكان حيث يمكن تركيب صوت شخص على شخص آخر بأكثر من لغة بمشهد خارج عن المألوف. حالياً أصبحت التطبيقات الذكية تتضمن مميّزات عدّة لتحديد المحتوى المزيّف ومقارنته بالمحتوى الحقيقي على رغم التشابه الكبير  والصعوبة في المقارنة.

 

نقمة الابتكار من يدفع ثمنها؟

يتطوّر الذكاء الاصطناعي بشكل متسارع مما يسمح لبعض الجهات باستغلال ذلك لمصالحها الشخصية. كما يعتبر الذكاء الاصطناعي التوليدي "ثمرة" التكنولوجيا الحديثة فهو يتيح الكثير من الفرص إلا أن التحديات المتمثلة كثيرة أيضاً وتشكّل نقمة كبيرة على المجتمع والأفراد من ناحية أخرى.

نتيجة لذلك كان لا بدّ للجهات المعنية من التحرّك فوراً للحدّ من المخاطر المرتقبة فكان للاتحاد الأوروبي موقفه من هذه المسألة مع اصدار قانون الذكاء الاصطناعي وهو أول قانون شامل لهذه التقنية في العالم. يحدّد هذا القانون إلتزام مزودي الخدمات الذكية وحقوق المستخدمين لتجنّب أعلى قدر من المخاطر والاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي ضمن الأطر الايجابية فقط. كما يظهر قانون الخدمات الرقمية التابع للاتحاد الأوروبي أيضاً لحماية المعلومات والبيانات على الانترنت والحفاظ على محركات البحث وتمكينها من التصدي للروابط المزيّفة.

تبعاً للاجراءات المتخذة، تم التحقق من عمالقة التكنولوجيا حول العالم بما فيها شركة فيسبوك وأمازون وتيك توك ويوتيوب لتحديد مدى التزامها بقانون الخدمات الرقمية التابع للاتحاد الأوروبي ودعم الرقابة الفعالة على المحتوى الرقمي لحماية المجتمع والحدّ من انتشار المعلومات المضلّلة.

لم يعد التلاعب بمقاطع الصور والفيديو مسألة صعبة مع تقنية التزييف العميق التي تطورت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة فأصبح بإمكان المحتالين التلاعب بالصوت والصورة بالوقت الفعلي وهي متاحة على نطاق أوسع.

لسوء الحظ، لا تزال طرق الكشف عن المقاطع المزيّفة في مراحلها الأولى ولا تتمتع بالكفاءة المطلوبة مما يزيد احتمال حصول هجمات سيبرانية تستغل التزييف العميق وتهدد المستخدمين. وفي السياق نفسه، كشفت شركات التكنولوجيا عمليات قرصنة عدّة تم فيها اظهار شخصيات بمقاطع فيديو مع التلاعب بالصوت والصورة كل ذلك بواسطة الذكاء الاصطناعي وذلك لغايات سياسية غالباً. عشرات من عمليات الاحتيال والتزييف حققها المقرصنون خلال السنوات الأخيرة مما يضع العالم أمام أخطر السيناريوات المقبلة على مستوى تهديد النشاط الالكتروني وانتهاك الخصوصية الفردية على منصات الانترنت والتطبيقات الذكية.

وبحسب خبراء أمن المعلومات والتحول الرقمي، لا يزال الذكاء الاصطناعي في بداياته وسيكون تأثيره أكبر دون شك في حين أن شركات عدّة لا تزال متأخرة عن مواكبة التحول الرقمي الحاصل.

 

عوامل تسهّل عمليات الاحتيال على العصابات

لولا ثغرات تقنية وجدت في أنظمة الشركات وأجهزة الأفراد وجعلت منها آلات سهلة التصيّد، لما تمكّن المقرصنون من الوصول إلى البيانات أو التلاعب بالمحتوى. لطالما انتشرت عمليات الاحتيال الرقمي مع ظهور الانترنت إنما الذكاء الاصطناعي التوليدي عزز وجودها وخطورتها. يُعد اليوم التزييف العميق من أسرع أساليب الاحتيال وأكثرها اقناعاً فيمكن استنساخ الانسان بالصوت والمشاعر والحركة والكلام والأسلوب. على المستوى المالي، تقدّر خسارة الشركات نتيجة الاحتيال الالكتروني بمليارات الدولارات سنوياً وقد تزيد هذه الخسارة في حال عدم وجود الوعي الكافي للتعامل مع المستجدات الرقمية، وغياب برامج الحماية والمهارات المطلوبة في مجال التكنولوجيا.

وفقاً للتقارير الأخيرة، يستفيد المقرصنون من تقدم الذكاء الاصطناعي لتطوير عمليات التزييف العميقة وانشاء نصوص مفبركة وتعديل الصور بمرونة لجعلها أقرب إلى الحقيقة. أما الملفات والأوراق الرسمية المزوّرة فتستخدم اليوم لتداول العملات الرقمية عبر الويب حيث يُطلب من المستخدمين بياناتهم الشخصية لاتمام المعاملات. إلى جانب ذلك، تظهر الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي مع الاستعانة بصور مفبركة بواسطة الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق ويتم من خلال انتحالها شخصيات معروفة على مستوى العالم.

أمام هذه المراحل المتطورة من التزييف والخداع الرقمي، لا يزال من الصعب الكشف الفوري عن مصدر عمليات التزييف. بدورها، تعمل شركات التكنولوجيا على تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي لديها للعمل لصالحها فتكون مؤهلة للكشف عن التزييف الآلي الآني أو المسبق للحد قدر الامكان من التهديدات؛ ولأجل ذلك تتم الاستعانة بروبوتات الذكاء الاصطناعي للكشف عن الانتهاكات الالكترونية بينما لا تزال أغلب فرق العمل غير مؤهلة للتعامل مع هذا النوع من الهجمات.

قد لا تتناسب سرعة تطور التكنولوجيا حول العالم مع سرعة تدريب الانسان لاستيعابه هذا الكم من التغيّرات والتكّيف معها فأصبحت المهارات الرقمية مهمة أكثر من أي وقت مضى. وفي هذا الاطار، هناك أكثر من وسيلة للتصدي للتزييف العميق والحد من عمليات الاحتيال:

  • استخدام روابط وقنوات آمنة لتبادل البيانات من خلالها.
  • تحديث أنظمة الهواتف والأجهزة الالكترونية للتنبيه من الجرائم والثغرات.
  • عدم الضغط على الروابط غير الموثوقة ومراقبة أي حدث غير طبيعي على الجهاز الالكتروني.
  • في حال حدوث أي خلل، التواصل مع الجهات المعنية بمكافحة الجرائم المعلوماتية.
  • متابعة آخر مستجدات التكنولوجيا والاطلاع على أهم الأساليب لمحاولة الهروب من القراصنة وعدم الوقوع ضحية الخداع الرقمي.

لا يمكن ضمان نجاح التشريعات الدولية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي 100% مع غياب البنية التحتية الرقمية المؤهلة وغياب الكفاءة للتحكم بالمنصات كما يجب. لذلك على الحكومات تكثيف جهودها في هذا المجال لمكافحة المحتوى المضلل في عصر بات فيه التقدم التكنولوجي سيفاً ذا حدين.