يواجه عمالقة التكنولوجيا موجة من الضرائب المالية غير مسبوقة في وقت تهيمن فيه التقنيات والأجهزة الالكترونية على حياتنا. من أوروبا إلى آسيا، تواجه الحكومات حواجز ماليةً نتيجة الضرائب الرقمية والشركات التي يتوجّب عليها دفوعات مالية.
يُتوقع أن كون للضريبة الرقمية المفروضة من قبل الحكومات على عمالقة التكنولوجيا عواقب كبيرة مع تصاعد التوترات السياسية حول العالم. تضمن هذه الضرائب تحقيق أرباح طائلة بالاعتماد على المستخدمين المحليين وارتفاع حركة البيانات. أما التحول إلى الاقتصاد الرقمي، فهذا يشكل تحدياً آخراً أمام الشركات وخصوصاً في حقل التكنولوجيا التي ستحتاج إلى استعادة سيطرتها الاقتصادية والتنظيمية.
بين الابتكارات والحلول المطروحة في سوق التكنولوجيا، تشهد الضرائب الرقمية تطوراً سريعاً، مما يُثير توترات كبيرة
توترات على مستوى دول العالم
بين الابتكارات والحلول المطروحة في سوق التكنولوجيا، تشهد الضرائب الرقمية تطوراً سريعاً، مما يُثير توترات كبيرة تتجاوز تداعياتها المنحى المالي فقط. ففي أبريل 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن فرض رسوم جمركية شاملة على الواردات العالمية مما شكّل صدمة حقيقية في الأوساط التجارية على مستوى دولي. نتيجة ذلك، أدان القادة الأوروبيون، بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هذه الرسوم معتبرين "أن لا أساس لها". بدورهم يشير المعنيون أنه يجب اتخاذ تدابير مضادة لهذا القرار، مثل تعليق الاستثمارات وفرض ضرائب رقمية جديدة على عمالقة التكنولوجيا الأميركية.
وقد أعلنت الادارة الفرنسية رفضها الرسوم الجمركية التي وصفت بأنها الأعلى منذ قرن. وقالت فرنسا، ان الاتحاد الاوروبي سيفرض ضريبة في المقابل على الخدمات الرقمية الاميركية مع الاستعداد إلى الحرب التجارية. هذا الامر يعني ان الشركات الأميركية التي تقدم خدمات رقمية في الاتحاد الاوروبي مثل غوغل وفيسبوك وأمازون سيتوجب عليها دفع ضريبة اضافية على ايراداتها من هذه الخدمات.
وقد استهدفت مذكرة الرئيس ترامب الصادرة في فبراير 2025 ضرائب الخدمات الرقمية الأجنبية (DSTs)، مع التركيز على الاتحاد الأوروبي، والتلميح إلى اتخاذ إجراءات محتملة ضد دول أخرى في إطار سياسته "التجارة المتبادلة". على الخط نفسه، دعت المذكرة إلى توسيع نطاق التحقيقات واتخاذ إجراءات ضد ضرائب الخدمات الرقمية التمييزية والحواجز التنظيمية، مما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات مع الدول التي تطبق الضرائب الرقمية.
من جهتها، اعتبرت المفوضية الاوروبية ان الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة تشكل ضربة حقيقية للاقتصاد العالمي مما سيكون له تأثيره على مختلف الدول وبالتالي ظهور تدابير مضادة لهذا القرار في حال لم يتم التوصل إلى مفاوضات مع الادارة الاميركية.
وبينما يتزايد الطلب على الأجهزة المتصلة والهواتف المحمولة، أبرزت هذه التطورات الصلة المتنامية بين سياسات الضرائب الرقمية وديناميكيات السوق التجاري. ومع تطبيق دول مثل المملكة المتحدة والهند وأستراليا ضرائبها الرقمية، امتدت عواقبها إلى الاتفاقيات متعددة الجنسيات، مما أثار جدلاً حول مسألة العدالة والسيادة ومستقبل التجارة العالمية في عالم رقمي بامتياز.
مع سعي المزيد من الدول إلى وضع قواعدها الخاصة - سواء لتأكيد السيادة الرقمية، أو زيادة الإيرادات الداخلية، أو تحدي هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى - لا تزال البيئة الضريبية العالمية منقسمة إلى أجزاء. في ظلّ هذا الواقع لا بد من القول أننا نعيش في عصر "الهيمنة الرقمية" ووداعاً للضرائب المنخفضة بعد الآن.
ترى الشركات في الضرائب الرقمية عبئاً كبيراً سواء كانت مرتفعة أو منخفضة الا أنها من المتوجبات التي لا بد من تحصيلها
السيناريوات المستقبلية وتأثيرات الضريبة
ترى الشركات في الضرائب الرقمية عبئاً كبيراً سواء كانت مرتفعة أو منخفضة الا أنها من المتوجبات التي لا بد من تحصيلها فهي تساعد دون شك المجالات الاقتصادية. ومع التحول إلى الاقتصاد الرقمي، بات التركيز أكبر على السياسات الضريبية التي تحظى باهتمام عالمي.
وبينما سيزيد الانفاق على الحلول الرقمية والتكنولوجيا والاتصالات، ستنمو الضرائب الرقمية في المستقبل مما يُعد لاعباً أساسياً في سوق الرقمنة في المنطقة والعالم. تزيد النزعة العالمية على مسألة الضرائب الرقمية ويعبّر المختصون في مجال التكنولوجيا عن قلقهم من الفجوات التي يسببها فرض الضريبة الرقمية وتداعياتها التي تختلف بين دولة وأخرى مما يدفع بعض الدول إلى التهرب من الدفع الضريبي.
يختلف المشهد الرقمي المستقبلي بالنسبة لفرض الضريبة الرقمية. فإذا تم الاتفاق بين الحكومات على نظام ضريبي جديد يناسب كل الشركات الرقمية قد يكون ذلك لمصلحة الجميع. أما اذا كانت الضريبة الرقمية مفروضة وتؤثر سلباً على الايرادات، فهذا كفيل بأن يشعل حرباً تجارية رقمية مما يخلق فجوة بين الانظمة الضريبية ومستوى التطور التقني في البلاد.
أما عن تأثير الضريبة الرقمية على الاقتصاد وعلى مختلف الأصعدة، فيؤكد الخبراء أن زيادة بالأسعار تلحق الضريبة الرقمية مما يؤدي إلى تضخم حتمي. فنشهد على زيادة في أسعار الاجهزة الالكترونية والخدمات الرقمية. كما تتأثر الشركات الكبيرة والمتوسطة بهذا الأمر والتداعيات تلحق بالمستخدمين أيضاً الذين سيعانون من أعباء الاسعار المرتفعة على المنتجات الرقمية.
كما تنعكس الضريبة الرقمية على قيمة الاستثمارات والتداولات وخصوصاً في الدول التي لا تزال في مراحل تأسيسها الأولى لاقتصادها الرقمي الخاص حيث تميل الشركات فيها إلى الاستثمار المالي. ولا يمكن أن ننسى تأثير الضريبة الرقمية على الموازنات في الدول حيث تضيف مصدراً جديداً للايرادات العامة. انطلاقاً من ذلك، تعمل بعض الدول على فرض ضريبتها الرقمية لزيادة تمويل نفقاتها المتزايدة في القطاعات الرئيسية مثل الرعاية الصحة والتعليم والبنية التحتية الرقمية.
وقد تتخذ بعض الشركات قراراً بالانتقال من الدول التي تفرض ضريبة رقمية عالية لتمارس نشاطها في دولة أخرى أكثر تساهلاً من هذه الناحية.
في وقت تختلف فيه الآراء حول أهمية الضريبة الرقمية وأهدافها، قد تعتبر بعض الدول ان فرض الضريبة الرقمية هو فرصة لتحقيق الأرباح ورفع الايرادات من مختلف المجالات الناشطة رقمياً والنظر إليها كمصدر جديد من مصادر التمويل. بينما يعتقد القسم الآخر وخصوصاً الدول الضعيفة في بنيتها الرقمية أن الضريبة الرقمية تؤثر على الاقتصاد الرقمي والتداولات الرقمية في المرحلة المقبلة.