Advertisement

Typography

تعاني الدول الصناعية الكبرى منذ أشهر من نقص الرقائق الإلكترونية كأشباه الموصلات أو المعروفة أيضاً بالدوائر المتكاملة، مما أدى إلى خسائر كبيرة في قطاعات عدّة وفي كل العناصر التي تتكوّن من شريحة كصناعة السيارات، الإدارة الحوسبية للمحركات، الأجهزة المحمولة والهواتف الذكية.

 

بعد نمو مبيعاتها 18% خلال العالم الماضي، ها هي صناعة الرقائق الإلكترونية تمرّ اليوم بأزمة نقص غير مسبوقة منذ شهر مارس- آذار 2021  مما انعكس على الصناعات التكنولوجية مع صعوبة العثور على الرقائق والحدّ من إنتاج الأجهزة الذكية وصناعة السيارات المتطوّرة. في هذا الصدد، يشدّد تشو زي شيوي، رئيس الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات على ضرورة التعاون لإبتكار الحلول المناسبة لإدارة الأزمة الراهنة ومواجهة التحديات المترتّبة على خلفية هذا النقص. ومع إرتفاع الطلب على أصغر منتج في العالم وإنخفاض العرض، يرفع عمالقة التكنولوجيا الصرخة مُحذّرين من تفاقم الخلل خلال الفترة المقبلة.

 

أسباب نقص الرقائق الإلكترونية أمام ارتفاع الطلب عالمياً

سبّب إنتشار وباء كورونا إضطراباً كبير لصانعي الرقائق الإلكترونية أو أشباه الموصلات الذي إرتفع الطلب عليها بشكل غير مسبوق. فمع الإلتزام بالمنازل وفرض الإقفال التام، إرتفعت نسبة مبيعات الأجهزة الذكية والكمبيوتر إلى جانب الأجهزة اللوحية والمنزلية الذكية إلى أعلى المستويات منذ سنوات، مع العلم  أن جميعها يحتوي على رقائق. هذا الوضع أدى إلى تقلّبات كبيرة في سوق الرقائق الإلكترونية والمجال الصناعي حيث تراجعت الإنتاجية مع بداية الأزمة لتنتعش في ما بعد  المبيعات بشكل مُفاجئ وحينها لم يجد الصناعيون كمية كافية من الرقائق الإلكترونية مع إنشغال صانعي أشباه الموصلات بتزويد شركات الهواتف الذكية.

على الخط نفسه، يشير مسؤولون تنفيذيون في شركة TSMC التايوانية إلى مشكلة التخزين حيث تُظهر مؤشرات الأرباح الأخيرة أن العملاء يقومون بتخزين الرقائق الإلكترونية كإحتياط لديهم. بدورها قامت شركة هواوي -Huawei Technologies Co  - بتخزين الرقائق لديها للإستمرار بصناعة الهواتف الذكية ومواجهة العقوبات الأميركية المفروضة عليها. إلى جانب ذلك، إرتفعت واردات الصين من الرقائق إلى نحو 380 مليار دولار خلال عام 2020.

في هذا الإطار، حذّرت شركة كوالكوم الأميركية المصنّعة للرقائق الإلكترونية من تفاقم الأزمة مع مواجهة المصنعين صعوبة في تلبية طلبات مختلف القطاعات من جهة، وعامل الوقت لإنتاج الرقائق من جهة ثانية حيث أن بعض المصانع تحتاج إلى 52 أسبوعاً لإتمام ذلك مع الأخذ بالإعتبار الحاجة إلى أنواع مختلفة من الرقائق الإلكترونية المخصصة إما للهواتف المحمولة أو الأجهزة  الذكية أو السيارات، وهنا تختلف مدّة الإنتاج.

 

إستراتيجية الولايات المتحدة لتقوية نفوذها واستغلال الأزمة

تتحرّك الولايات المتحدة محاولةً إستغلال أزمة نقص الرقائق الإلكترونية من أجل تشديد عقوباتها على  الصين. وترتكز الإستراتيجية على حشد التحالف من الدول التي تحاول التفوّق في صناعة أشباه الموصلات والوقوف بذلك بوجه كل الأنظمة والدول التي تتصدّر مكانة مهمّة في عالم التكنولوجيا وتشكّل منافساً قوياً لأميركا ومنع الصين من الوصول إلى هذه التقنية قدر الإمكان.

من جانبه يقول ليندسي غورمان، مسؤول في صندوق مارشال الألماني للتقنيات الناشئة التابع للولايات المتحدة أنه بات العالم يدرك أهمية الرقائق الإلكترونية في حرب التكنولوجيا والصراعات الجيوسياسية. كما أن الدولة التي تملك الرقائق اليوم وسط أزمة النقص المفاجئ تتمتّع بقوة تكنولوجية والولايات المتحدة تُعتبر واحدة من هذه الدول.

وبحسب المطلعين على خطة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، من المتوقّع أن توسّع أميركا دائرة الشركاء مع كوريا الجنوبية، اليابان وتايوان لإعادة إنعاش صناعة الرقائق الإلكترونية لديها.

 

الصين تُصارع... فكيف لها أن تواجه العقوبات الأميركية؟

تهدف الصين بالدرجة الأولى إلى إيجاد الحلول للتصدي للعقوبات الأميركية على الرغم من كل القيود الموضوعة لإضعافها. على ضوء ذلك، ترتكز رؤية بكين الإقتصادية الخمسية على التفوّق في مجال الرقائق الإلكترونية واستبدال أهم المورّدين في الولايات المتحدة.

إلى جانب ذلك، تضع الصين جهدها لعقد إتفاقيات مع عمالقة التكنولوجيا مثل "إنتل كورب" وشركة تايوان لصناعة الرقائق. كما يركّز نهج الصين على الإستفادة من أشباه الموصلات القديمة والمناسبة للإستخدام ودعم مهارات جديدة لصناعة جيل جديد من الرقائق.

في غضون ذلك، إعتبر وزير العلوم والتكنولوجيا، وانغ تشيغانغ، أن الرقائق تشكّل عنصراً مهماً في عصر الرقمنة والمعلومات، لذلك ستكون الصين بكامل إستعدادها لتحقيق الإكتفاء الذاتي في هذا المجال وتعزيز قدراتها الخاصة في إنتاج الرقائق. ووفقاً لماكينزي، كانت بكين قد خصّصت في خطّتها نحو 155 مليار دولار للإستثمار في الرقائق في السنوات الخمس او العشر المقبلة. هذا ولفت تشيغانغ إلى مواصلة الصين تمويلها واستثماراتها في هذا المجال خلال السنوات المقبلة؛ وبحسب ما ورد من الجمارك الصينية، من المرجّح أن تستورد الصين أشباه الموصلات بقيمة 300 مليار دولار للعام الثالث على التوالي بسبب إستخدامها تقنيات عدّة أبرزها سيارات ذاتية القيادة، الذكاء الاصناعي، شبكات الجيل الخامس. من جانبه، يرى المحلل لدى "آي دي سي"، ماريو موراليس، أن تورِّد الشركات الصينية 35% فقط من الطلب المحلي على الرقائق بنهاية العقد الجاري.

 

تايوان تحقق الأرباح وتوقّعات بارتفاع معدل نمو إقتصادها عام 2021

كشف مكتب الإحصاء في تايوان أنه من المتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.64% في عام 2021 بعدما بلغ عام 2020 3.83%. أما أزمة نقص الرقائق الإلكترونية فرفعت أرباح تايوان حيث ازدهر إقتصادها بسبب الطلب المتزايد عالمياً بالإضافة إلى لجوء العديد من الدول منها الولايات المتحدة، اليابان وغيرها من الدول الأوروبية لضمان تدفق الرقائق الإلكترونية إليها.

وفي إطار سعيها إلى معالجة الأزمة، تخطط أكبر شركة لصناعة الرقائق في العالم "تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة"، TSMC لزيادة إنفاقها الرأسمالي إلى 28 مليار دولار خلال عام 2021. 

 

تداعيات نقص أشباه الموصلات ومن المستفيد من الأزمة العالمية؟

ضربت أزمة الرقائق أعمال الشركات الكبرى لا سيّما المتعلّقة بمجال التكنولوجيا وصناعة السيارات حيث تراجعت مبيعات السيارات إلى نحو 61 مليار دولار هذا العام إلى جانب التأخير بإنتاج ملايين من السيارات خلال الربع الاول من العام 2021. وليست صناعة السيارات وحدها التي تأثرت بالأزمة بل صناعة العديد من المنتجات الإلكترونية من الهواتف المحمولة، محركات الألعاب وجميع الأجهزة التي تعتمد على الرقائق تعاني من إرتفاع في الأسعار وإنخفاض الانتاج والمبيع.

وبينما تعاني الدول عالمياً، فهناك من يستفيد من هذا النقص لتحسين جودة الرقائق لتصبح أكثر حداثة وبكفاءة عالية. بدورها يعمل كل من TSMC وشركة سامسونغ على إنتاج رقائق 3 نانومتر بحلول عام 2022 بالإستعانة بتقنية الذكاء الإصطناعي في الإبتكار ومعالجة كمية أكبر من البيانات.

ويرى الخبراء أن الدخول في مجال صناعة الرقائق والمنافسة فيه هو في غاية الصعوبة. كما تُعدّ صناعة أشباه الموصلات عملاً يتطلب رأس مال ضخماً والقدرة على التحدي في مجال سريع التغيّر. أما المصانع فهي مجهّزة بآلات بمليارات الدولارت وهي تعمل على مدار الساعة حيث أن الوصول إلى معدل تصنيع الرقائق الجيدة إلى 90% قد يستغرق سنوات.

 

الإجراءات والحلول المطروحة لمواجهة الأزمة

 يدرس الكونغرس الأميركي تضمين مشروع قانون جديد تعزيز القدرة التنافسية مع الصين ودعم صناعة الرقائق في البلاد بتمويل بقيمة 30 مليار دولار. هذا وقد نقلت رويترز في وقت سابق عن متحدثة بإسم البيت الأبيض ان مسؤولي الإدارة الأميركية المعنيين بالإقتصاد والأمن القومي يسعون إلى مساعدة القطاعات الخاصة والعامة، إلى جانب  قطاع صناعة السيارات لمواجهة نقص الرقائق الإلكترونية .

بدورها طلبت ألمانيا من تايوان في 24 يناير – كاون الثاني المساعدة لسدّ النقص في أشباه الموصلات لديها لا سيّما في قطاع السيارات الذي تأثر أكثر بعد جائحة كورونا.

بينما الشركات المحليّة كان لها دورها في هذا الصدد حيث يمكن للشركات الجديدة التصدي لعدم معالجة الهواتف المحمولة ووحدات الذاكرة والاتصالات من خلال معالجات ناضجة بدقة تصنيع 14 نانومتراً وأكثر.   

من جانبها وضعت "إنتل كورب" خطتها لتأسيس مصنعين جديدين لإنتاج الرقائق بقيمة 20 مليار دولار تقريباً لتعزّز بذلك مركزها إلى جانب الشركات المنافسة لها.  

مع استمرار النمو العالمي في إستهلاك التقنيات التكنولولجية والأجهزة الذكية، وانتشار شبكة الجيل الخامس والسيارات ذاتية القيادة، يتمثّل الرهان اليوم  في القدرة على التواجد والإستمرارية من خلال اعتماد بدائل الرقائق مثل الذكاء الاصطناعي. ويُرجّح أن تستمر الأزمة مع تفاقم العناصر المؤثرة بذلك ومنها السياسية، الجغرافية أو المتعلّقة بالمناخ. وهنا يجب على الشركات المعنيّة البحث في السبل التي تمكّنها من تحقيق الإستقلالية الذاتية في صناعة الرقائق الإلكترونية بنفسها من دون الخضوع إلى الضغوط الخارجية.