Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

عواصف رملية، جفاف، أمطار غير مسبوقة، سيول ودرجات حرارة لم تشهدها الأرض منذ سنوات طوال، إنه العالم بمواجهة التغيّر المناخي. وبينما تعجز القدرات البشرية عن حلّ المشكلة بالسرعة المطلوبة، تلعب التكنولوجيا دورها في مواجهة التحولات المناخية بطرق غير تقليدية.

 عن دور الأجهزة الالكترونية والحلول الرقمية يتحدث رواد التقنية اليوم ويضعون اعتماد التكنولوجيا في سلم الأولويات لمواجهة التغيرات المناخية وتقليص عواقب العواصف. تسرّع الحلول الرقمية والتكنولوجيا الحديثة عملية الانتقال في قطاع الطاقة عالمياً ومكافحة التغيّر المناخي كما تقدّم التقنيات والابتكارات المطروحة ومنها الذكاء الاصطناعي أداءً حاسماً في زيادة كفاءة أنظمة الطاقة المتجددة والانذار المبكر وتفعيل الأجهزة الالكترونية للتنبؤ بالكوارث الطبيعية أو أي اضطراب مناخي قبل حدوثه. تقودنا التكنولوجيا المناخية إلى مستقبل أخضر توفر فيه الشركات الطاقة المتجددة وتسعى دائماً للاستفادة من الطاقة النظيفة لتحقيق الاستدامة واعادة اصلاح ما أفسده الانسان على مرّ السنوات بسبب المصانع وغيرها من الأنشطة المضرّة بيئياً. وقد ساهم انتشار مفهوم التكنولوجيا المناخية بظهور الاستثمارات الجديدة في هذا المجال لتخفيف تحديات المناخ وخفض الانبعاثات الكربونية السّامة.

 

رؤية العالم حول التكنولوجيا المناخية ودور الذكاء الاصطناعي

تُعد التكنولوجيا المناخية سوقاً ضخماً حيث يبلغ حجم الاستثمار فيه حوالى 27 مليار دولار في أميركا الشمالية و15 مليار دولار في أوروبا و12 مليار دولار في الصين. بينما تشكّل الاستثمارات في تكنولوجيا المناخ في منطقة الشرق الأوسط 5% فقط من اجمالي الاستثمارات مقارنةً بـ12% على مستوى العالم. ومع تزايد الأعمال الصناعية وتضخّم الانبعاثات الناتجة عنها، توجهت آلاف الشركات الناشئة إلى تكنولوجيا المناخ مع ابرام أكثر من اتفاقية لتسليط الضوء على أهمية الحماية البيئية وانعكاسها على كل الأعمال على المدى الطويل.  

يظهر الشرق الأوسط اهتماماً استثنائياً بهذا الاتجاه، وزادت الشركات الكبرى تمويلها على ابتكارات تكنولوجيا المناخ نحو ثلاث مرات على مستوى العالم  حيث بلغ 5 مليارات دولار مع نهاية عام 2023. كما كان لانتشار الذكاء الاصطناعي دوره في معالجة أزمة المناخ مع تسخير هذه التقنية لدفع الطاقة المتجددة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتكامل المجتمعي الذي يكون من خلال تفعيل دور التكنولوجيا وتحليل البيانات دون التأثير سلباً على البيئة. وتناقش الحكومات في الدول النامية كيفية ادارة المخاطر البيئية والاستفادة من الذكاء الاصطناعي بشكل خاص نسبةً لاستخداماته المتعددة.

وفي سياق الخدمات المتاحة، يعمل الذكاء الاصطناعي على تطوير أدوات إلتقاط الكربون وزيادة فعاليتها ليتم حقنه تحت الأرض بدلاً من انتشاره في الهواء. ومع ان هذه التقنية لا تزال في مراحلها الأولى إلا أنها تحمل الكثير من الوعود في المستقبل وذلك بفضل خوازميات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها أن تحدد المواقع المناسبة لتخزين الكربون ومكافحة التغير المناخي. سيزيد الذكاء الاصطناعي من كفاءة تقنية التقاط الكربون بنحو عشرين مرة بحلول عام 2030 وبمئة مرة بحلول عام 2050.   

وفقاً للخبراء، يتنبأ الذكاء الاصطناعي بالتحولات المناخية خلال فترة زمنية قصيرة بواسطة الخوارزميات التي يمكن أن تتعامل مع كل أنواع الكوارث الطبيعية من أصغرها لأكبرها مثل الأعاصير والعواصف الرملية والفيضانات وحركة الرياح وحرائق الغابات في فصل الصيف. إلى جانب ذلك، تم تطوير تطبيقات عدّة لخدمة ملايين الأشخاص حول العالم ومتابعة كل التطورات الجوية والبيئية لحظة بلحظة. فإذا تحدثنا عن الطاقة المتجددة، يساعد الذكاء الاصطناعي في انتاج حجم كبير من الطاقة المتجددة بدقة عالية والحدّ من استخدام الكربون إلى جانب تحسين البنية التحتية. وفي هذا الاطار، عملت شركة مايكروسوفت على تطوير حلول الذكاء الاصطناعي للحدّ من الانبعاثات الكربونية وتحقيق التوازن البيئي. ويتوقع الخبراء أن تتضاعف استثمارات تكنولوجيا المناخ بأكثر من ثلاث مرات بحلول عام 2030 كما تحتاج الشركات إلى مزيد من الشركاء لتوسيع نطاق هذه التكنولوجيا واتاحة حلول أكبر تجمع الأنظمة الصديقة للبيئة وتستجيب لمتطلبات السوق أيضاً.

بالنسبة للمستثمرين، يكمن الهدف الأساس في تحديد الاستثمارات الجديدة في تكنولوجيا المناخ ودمج تأثير المناخ في قرارات الاستثمار. أما بالنسبة للشركات الناشئة، فيتمثل الاهتمام في تنمية الأعمال التجارية من خلال جمع التمويل والوصول إلى الحوافز والمنح الحكومية. بينما لا تزال الشركات تخطط لتطوير استراتيجياتها وأعمالها في هذا المجال لدمج تكنولوجيا المناخية في عملياتها.

 

هل تعزز الاتصالات التغيّر المناخي؟

تعمل شركات الاتصالات على الخدمات الرئيسية كقطاع قائم بحدّ ذاته وهو يستخدم نحو 3% من الطاقة العالمية. أما عن تأثير الاتصالات بالتغير المناخي، فيمكن تقسيم هذا القطاع إلى محورين أساسيين: الأول يقوم على العوامل الداخلية لعمل الاتصالات والثاني يقوم على اندماج قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في سائر القطاعات والقائمة هنا تطول. فعلى رغم تأثيرها الكبير على المناخ، تأخذ شركات التكنولوجيا منحى مختلفاً اليوم لتُصنّف من القطاعات الصديقة للبئية ويتجسّد ذلك من خلال التوعية حول التخلّص الآمن من النفايات الالكترونية، العمل على توظيف أبراج الاتصالات واستخدام الطاقة النظيفة لتشغيل الهواتف المحمولة بواسطة استبدال الطاقة التقليدية. كما تؤخذ بالاعتبار نوعية كابلات الألياف الضوئية لنقل البيانات فهي أيضاً تعتبر من العناصر المهمة لتعزيز الحماية البيئية والحدّ من استخدام المواد المؤثرة على البيئة.

أما عن دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في سائر القطاعات، فالتركيز اليوم هو على تحويل كل القطاعات إلى قطاعات ذكية بدءاً من قطاع الرعاية الصحية، إلى البناء، الطاقة والتعليم والنقل والزراعة والتجارة وغيرها. ولشركات الاتصالات استراتيجية واضحة في هذا المجال حيث تعزز قدراتها لتحقيق الحماية البيئية وقياس نسبة التلوث ومحاولة خفضها والتعاون مع الجهات المعنية ومن بينها الشركات المشغلة للاتصالات لمعالجة الأسباب خلف هذه المشكلة وبالتالي استخدام التكنولوجيا لحلّ مشكلة المناخ.

هذا الواقع فرض على شركات الاتصالات العالمية متابعة خطة عمل للحماية البيئية وهذا ما يعتبر خطوة مهمة في الاعتراف بأهمية مكافحة التغيّر المناخي وادراك مدى تأثير الاحتباس الحراري على كوكب الأرض. والحديث لا يقتصر على حلول المناخ فقط بل ينطوي عمل الشركات والحكومات في هذه المرحلة على تحقيق التحول الرقمي الشامل أيضاً وذلك عبر تنفيذ خطوات عملية تتمثل في تدشين المزيد من مراكز البيانات والمعلومات، تشغيل مهارات التكنولوجيا والاستفادة من الخدمات الرقمية بالاضافة إلى زيادة عدد الشركات التكنولوجية والمساهمة في نمو المجتمع الرقمي والبنية التحتية الرقمية.

 

التكنولويجيا هي الحلّ والمشكلة في آن... كيف؟!

تستهلك الأجهزة الالكترونية كمية هائلة من الطاقة لتشغيل الشبكات اللاسلكية وضمان عمل الانترنت وحركة البيانات. فبعيداً عن الانبعاثات الكربونية السامة، يمكن أن تكون التكنولوجيا جزءاً أساسياً من الحلّ. يسعى عمالقة التكنولوجيا إلى نشر الوعي حول أهمية خفض الانبعاثات الكربونية وعن الواقع المناخي الذي نعيشه اليوم خصوصاً وأننا بدأنا نلمس تداعيات هذا التحول في دول عدّة. ينجلي هذا العمل بالتطبيقات الذكية واتصالها بالأجهزة الالكترونية لتعديل الحرارة وتوفير الطاقة والحدّ من نسبة الانبعاثات الكربونية. كما تشكّل الطاقة الخضراء أحد أهم الحلول لأزمة المناخ، فبحسب الخبراء يمكن اعتمادها لتشغيل مراكز البيانات الكبيرة والخوادم وبالتالي خفض معدل الكربون في الهواء. أما الجزء الأكبر من المسؤولية فيقع على عاتق المستخدم نفسه وكيفية توظيف المهارات الرقمية في الأماكن المناسبة للتصرّف مع الأجهزة الالكترونية كما يجب والاستفادة من التقنيات الذكية إلى أقصى حدّ دون التأثير سلباً على الغلاف الجوي. فكيف يمكن مواجهة التغير المناخي من خلال التكنولوجيا بذاتها لتحقيق مستقبل أكثر استدامة وأمان؟

تشهد الدول اليوم نماذج ناجحة جداً عن استخدام التكنولوجيا بالطريقة الصحيحة للحدّ من انبعاثات الغازات السامة. ووفقاً لباحثين في التغير المناخي، تلعب التكنولوجيا دوراً بارزاً في الحدّ من التغير المناخي ويتجسّد هذا الدور بأشكال مختلفة كما يمكنها التقليل من مخاطر هذا التغيّر عبر أنظمة الانذار للتصدي إلى الكوارث الطبيعية قبل حدوثها ومساعدة صناع القرار في اتخاذ القرارات الأنسب وفي الوقت الآني.

وتناقش الدول النامية حول العالم كيفية مشاركة الأجهزة الذكية والتكنولوجيا لخدمة البيئة كما يتم البحث حول كيفية تحويل أنظمة الانذار لتغطي كل الأفراد حول العالم بحلول عام 2027.

في الحقيقة، تساهم التكنولوجيا الرقمية اليوم في ايجاد الكثير من الحلول لمواجهة تداعيات التغير المناخي وفهم النظام البيئي بشكل أسرع وأفضل. كما يمكن أن تجمع برامج الذكاء الاصطناعي مجموعة من البيانات البيئية وتحليلها بهدف تتبع آخر التحولات في الوقت الآني وايجاد الحلول بشكل أسرع.

في السياق نفسه، تستخدم التكنولوجيا المدمجة لتحسين استخدام الموارد عبر تشغيل البنية التحتية الرقمية وتطوير الأنظمة الذكية التي تحد من هدر الطاقة.

وقد توصلت الدراسات الحديثة  إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في أربعة قطاعات اقتصادية من بينها الزراعة والنقل يتيح خفض الانبعاثات بنسبة 4% ويعتبر الخبراء ان المنصات السحابية المختلطة والذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد الأفراد في التكيّف مع التحولات السريعة والاستفادة من تطورات التقنيات لمواجهة كل التحديات المتمثلة في هذا القطاع والخيار يبقى بالطريقة التي تُستخدم فيها التكنولوجيا الرقمية بشكل أو بآخر... إما للحدّ من الكوارث المناخية أو التعدي على البيئة والقرار يبقى بيد كل مستخدم!