Advertisement

تقارير وتغطيات
Typography

بقلم الدكتورة خولة الزعبي، عميد قطاع العلوم والتكنولوجيا، كلية المجتمع في قطر

يُعّد قطاع التكنولوجيا أحد أكثر القطاعات ابتكارًا وتأثيرًا في العالم؛ كونه يُمثل محور تحفيز حيوي للتحول الرقمي، ومردوده الإيجابي على النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، لكن ما زال يشوب هذا القطاع عدد من الفجوات التي يجب العمل على سدها، وفي مقدمها نقص المهارات التقنية، وعدم التوازن بين الجنسين؛ بسبب ضعف تمثيل النساء.  

لكن في دولة قطر، يأتي تمكين المرأة على رأس الأولويات انطلاقًا من إيمان الحكومة الراسخ بأهمية تعزيز مشاركة النساء في جهود التنمية المستدامة للدولة؛ تماشيًا مع رؤية قطر الوطنية 2030. ونتيجةً لهذه الجهود، تشغل النساء القطريات اليوم؛ مناصب وزارية وإدارية رفيعة المستوى في مجالات التعليم والطب والهندسة والعلاقات الدولية والشرطة والطيران المدني والعسكري وغيرها.

كما تشكل النساء اليوم 70% من خريجي كليات نظم المعلومات وهندسة الحاسوب والهندسة والطب والصيدلة والعلوم، ويمثلن كذلك ما يزيد على 58.3% من سوق العمل المحلي؛ مع تمثيل قوي في قطاعات السياسة الخارجية والأمن والقضاء والجيش، كما تستأثر النساء بنحو 15% من استثمارات ريادة الأعمال الخاصة؛ بقيمة إجمالية تصل إلى 25 مليار دولار.

وبدورها، تساهم كلية المجتمع في قطر بشكل كبير في دعم وتعزيز دور المرأة على المستويات كافة، وضمان مساواتها مع الرجل في الحصول على الفرص والمزايا، واليوم، نجد ان غالبية طلاب البرامج الأكاديمية في الكلية هم من الإناث، وتسعى الكلية إلى تمكين ودعم المرأة في سعيها لتحقيق النجاح والتميز، وتزويدها بتوجيهات قيّمة للتغلب على التحديات، فضلًا عن توفير الفرص اللازمة لإثبات ذاتها من خلال تنظيم ورش عمل توعوية وتثقيفية داعمة.

وفي ما يتعلق بالوظائف والمناصب الإدارية والأكاديمية، دعمت الإدارة العليا للكلية؛ النساء، ووفرت لهن فرص القيادة، حيث يشغل عدد كبير منهن مناصب تنفيذية، وفي السنوات الأخيرة، ازداد عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب أكاديمية رفيعة؛ بما في ذلك نائب الرئيس، وعميد القطاع، ورئيس القسم، وفي الهيكل التنظيمي الجديد لكلية المجتمع، تحتل النساء النسبة الأعلى من المناصب القيادية في القطاعات الإدارية والأكاديمية.

وكان للدعم الذي تقدمه كلية المجتمع للنساء؛ ودورهن في قطاع التكنولوجيا أثر تحفيزي كبير لي شخصيًا، فخلال العامين الماضيين، شغلت منصب رئيس قسم الهندسة التكنولوجية، لأرتقي بعدها إلى منصب عميد قطاع العلوم والتكنولوجيا، ويؤكد ذلك التزام كلية المجتمع بتمكين المرأة، وتعزيز دورها في قطاعات العلوم والتكنولوجيا، وتوفير نموذج تقتدي به الطالبات للدراسة والتفوق في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة، والانضمام إلى سوق العمل، وشغل المناصب القيادية في قطاع التكنولوجيا.

 

أما عالميًا، فإن أحدث البيانات الصادرة عن "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" (اليونسكو) حول المساواة بين الجنسين توضح، أن تمثيل المرأة أقل من الرجل على جميع المستويات في قطاع التكنولوجيا، ولا سيما في المناصب القيادية، حيث تشغل النساء 24% فقط من جميع المناصب التنفيذية في القطاع.

ومع ذلك، فإن ثمة العديد من الفرص المتاحة أمام النساء لتجاوز التحديات وتحقيق الازدهار في قطاع التكنولوجيا، من بينها الطلب المتزايد على المواهب والمهارات مع تسارع التحول الرقمي ضمن مختلف القطاعات والصناعات بدعم من التقنيات المتقدمة، خصوصًا في المجالات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والأمن السيبراني والجيل الخامس، فالعديد من البحوث تشير إلى وجود نقص كبير في مواهب تكنولوجيا المعلومات، حيث تنفيذ آخر الاحصائيات أن 54% من المؤسسات عانت نقصاً في المهارات التقنية في عام 2023، ويمكن للنساء اغتنام هذه الفرصة لسد الفجوة، والمساهمة في تحفيز ابتكار ونمو القطاع.

وعلى الرغم من التقدم الذي تم تحقيقه في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة، لا يزال الحضور الذكوري طاغيًا في قطاع التكنولوجيا، فبحسب تقرير ريادة الأعمال النسائية لعام 2021/2022 الذي أصدره المرصد العالمي لريادة الأعمال، بلغ المعدل الوسطي للشركات الناشئة التي أسستها نساء 10.4%. ومع ذلك، تشير الأعداد المتزايدة للنساء المؤسسات إلى الإمكانات المتميزة التي تتمتع بها رائدات الأعمال في تحفيز الابتكار والتنمية الاقتصادية عبر مختلف القطاعات والمناطق. ووفقًا لشركة "ستاتيستا"، ارتفعت عالميًا نسبة الشركات الناشئة التي ساهمت امرأة واحدة على الأقل في تأسيسها من 9.5% في عام 2009 إلى 20% في عام 2019، ويؤكد ذلك أن مزيدًا من النساء يأخذن زمام المبادرة لتأسيس أعمالهن الخاصة، والسعي وراء شغفهن.

ورغم التحديات، أظهرت رائدات الأعمال مستويات عالية من المرونة والإبداع والقيادة لتحقيق النجاح في مجال الأعمال، على سبيل المثال، يُظهر تقرير "النساء المؤسسات لعام 2021" أن الشركات الناشئة التي تقودها النساء توفر عددًا أكبر من فرص العمل مقارنةً بالشركات الناشئة التي يقودها الرجال، كما يكشف التقرير أن المؤسسات التي يشاركن في "مسرعات الأعمال" لديها فرص أكبر في تأمين التمويل، ويُعد ازدياد نسبة النساء في المؤسسات مؤشرًا واضحًا على تنامي مستويات التمكين والمساواة، ومصدرًا للإلهام والفرص لرائدات الأعمال.

أيضًا تكشف هذه الإحصاءات عن الإمكانات غير المستغلة، والفرص الضائعة في مجال التكنولوجيا، والحاجة إلى بذل مزيد من الجهود لتمكين المرأة، وزيادة مساهمتها في برامج تنمية المواهب المحلية بمجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقد دفع هذا الكثير من الشركات التي تتمتع برؤية استشرافية إلى دعم مبادرات وبرامج إعداد مواهب تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات التي تركز على تحقيق التوازن بين الجنسين.

ويمكن القول إن النساء يواجهن تحديات متنوعة ومنهجية في قطاع التكنولوجيا؛ إذ قد تؤثر القوالب النمطية التي تربط التكنولوجيا بالذكور خلال مرحلة المدرسة في مستوى اهتمام الفتيات بمواصلة التعليم، أو العمل في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ما يستدعي مضافرة الجهود في مجال تغيير السياسات والممارسات بما يعزز فرص الفتيات والنساء في هذه المجالات.

إضافة إلى ذلك، تفتقر النساء في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل كبير إلى وجود نماذج نسائية للاقتداء بهن، ومرشدات تمنحهن الإلهام والدعم للتطور مهنيًا، حيث يمكن للنماذج الناجحة إرشاد وتشجيع النساء على تخطي العقبات، وتحقيق أهدافهن في هذا القطاع، فضلًا عن توفير الفرص والعلاقات والرؤى اللازمة لمساعدة النساء على توسيع آفاقهن، وتعزيز مهاراتهن. لذا من المشجع دومًا رؤية المبادرات المختلفة التي تهدف إلى معالجة هذه التحديات، وتعزيز ثقافة الإرشاد، وتقديم نماذج نسائية ناجحة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من خلال تسليط الضوء على إنجازات النساء، ومساهماتهن في هذا القطاع، وعرض قصص نجاحهن كنماذج يحتذى بها للنساء الأخريات.

 ضمن ذات السياق، تفتح المساعي الدولية لتعزيز الاستدامة بوابة واسعة من الفرص أمام المرأة لخوض غمار هذا التخصص الذي تتصدره النساء، باعتبارهن يمثلن 58% من المديرين التنفيذيين للاستدامة في الشركات الكبرى، ونظرًا للارتباط المباشر بين الاستدامة والتكنولوجيا، تمثل الأجندة الخضراء العالمية فرصة متميزة للقيادات النسائية في قطاع التكنولوجيا.

ومن جهة أخرى، تُعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمجال الأكاديمي وشركات التكنولوجيا أحد أهم محفزات حضور المرأة في القطاع التقني، وهناك العديد من الأمثلة الإيجابية، حيث تحتل شركة هواوي على سبيل المثال مكانة متقدمة بين عمالقة التكنولوجيا العالميين في إطلاق مبادرات متنوعة تدعم النساء على مستويات متعددة.

وقد أطلقت الشركة برنامج "المرأة في مجال التكنولوجيا" لدعم النساء اللاتي يرغبن بالعمل في قطاع التكنولوجيا، من خلال تزويدهن بفرص التعليم والتوجيه وتكوين شبكة علاقات، ويُعد هذا البرنامج جزءًا من مبادرة هواوي "التكنولوجيا لأجلها وبقيادتها ومعها"، التي تهدف إلى تمكين المزيد من النساء من دخول قطاع التكنولوجيا، وإعداد القيادات النسائية بهذا المجال.

أيضًا شهدت الشركة زيادة ملحوظة في مشاركة وتمثيل النساء في مسابقتها السنوية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ويُظهر تقرير هواوي للاستدامة لعام 2022 التزامها بالهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة، الذي يدعو إلى تمكين المرأة في مجال التكنولوجيا، وبناء مجتمع شامل يتبنى مبادئ التنوع.

وهكذا، تُظهر التجارب في منطقة الشرق الأوسط أن الجهود المبذولة لسد فجوة التوازن بين الجنسين في مجال التكنولوجيا تسفر عن نتائج إيجابية سريعة، وقد حظيت مبادرات تنمية المواهب المختلفة؛ بإقبال كبير من الشابات محبّات التكنولوجيا اللواتي استفدن من هذه المبادرات لتحقيق مسار مهني ناجح.

وختامًا، نؤكد أن المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة في قطاع التكنولوجيا تُعد من القضايا بالغة الأهمية التي تتطلب تضافر جهود جميع المعنيين من الجهات الحكومية والشركات والأكاديميين والمجتمع المدني ووسائل الإعلام والأفراد، ويجب أن نتبع جميعًا نهج تعزيز الشراكة المنفتحة لتحقيق التنوع والشمول في قطاع التكنولوجيا، والارتقاء بأدائه وابتكاراته، وتوظيفها لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلداننا، والإسهام كذلك في بناء عالم أكثر تواصلًا وذكاءً وشمولًا لخدمة مستقبل البشرية.